فصل: أحاديث الخصوم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


 أحاديث الخصوم

استدلوا على عدم وجوب الوتر بحديث الأعرابي‏:‏ أنه عليه السلام قال له‏:‏ ‏"‏خمس صلوات كتبهن اللّه عليك، قال‏:‏ هل عليّ غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا أن تطوع‏"‏، أخرجه البخاري ‏[‏في ‏"‏أوائل الصيام‏"‏ ص 254، ومسلم في ‏"‏الإيمان - في باب الصلوات الخمس‏"‏ ص 30 - ج 1‏.‏‏]‏‏.‏ ومسلم عن طلحة بن عبيد اللّه، وأجاب الأصحاب عنه بأنه كان قبل وجوب الوتر، بدليل أنه لم يذكر فيه الحج، فدلّ على أثر متقدم على وجوب الحج، ولفظة‏:‏ ‏"‏زادكم صلاة‏"‏ مشعرة بتأخر وجوب الوتر، ولكن الحج مذكور عند مسلم ‏[‏ص 31، والبخاري في ‏"‏العلم - في باب القراءة والعرض على المحدث‏"‏ ص 15‏]‏ في حديث ضمام بن ثعلبة، أخرجه في ‏"‏أول الإِيمان‏"‏ عن أنس، ولم يسم مسلم ضمامًا، ورواه البخاري في ‏"‏العلم‏"‏، وسمى ضمامًا، وليس فيه الحج‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه البخاري ‏[‏البخاري في ‏"‏باب الوتر في السفر‏"‏ ص 136، ومسلم في ‏"‏صلاة السفر - في باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر‏"‏ ص 244، والطحاوي‏:‏ ص 249، قال النووي في ‏"‏شرح المهذب‏"‏ ص 20 - ج 4‏:‏ لا دلالة فيه، لأن مذهبكم أن الوتر واجب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن كان سنة في حق الأمة، اهـ‏]‏‏.‏ ومسلم عن ابن عمر أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أوتر على البعير، وفي لفظ‏:‏ رأيت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوتر على راحلته، قال الطحاوي‏:‏ هذا كان قبل وجوبه، ثم عارضه برواية حنظلة بن أبي سفيان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي على راحلته، ويوتر بالأرض، ويزعم أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ فعل كذلك، انتهى‏.‏

حديث آخر‏:‏ أخرجه البخاري‏.‏ ومسلم أيضًا عن معاذ أنه عليه السلام بعثه إلى اليمن، وقال له، فيما قال‏:‏ ‏"‏فإِن أطاعوك فأعلمهم أن اللّه قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة‏"‏، قال ابن حبان‏:‏ وكان بعْث معاذ إلى اليمن قبل خروجه من الدنيا بأيام يسيرة، انتهى‏.‏ ويقوي هذا ما في ‏"‏موطأِ مالك‏"‏ أنه عليه السلام توفي قبل أن يقدم عليه معاذ من اليمن، وسيأتي في ‏"‏الزكاة‏"‏ في حديث الأوقاص‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه ابن حبان ‏[‏وابن نصر في ‏"‏قيام الليل‏"‏ ص 114، و ص 90، والطبراني في ‏"‏الصغير‏"‏ ص 108، وفيه‏:‏ يعقوب الفمي، قال الدارقطني‏:‏ ليس بالقوي، وقال النسائي‏.‏ وغيره‏:‏ لا بأس به، وقال الحافظ في ‏"‏التقريب‏"‏ صدوق، وعيسى بن جارية، قال ابن معين‏:‏ عنده مناكير، وقال النسائي‏:‏ منكر الحديث، وجاء عنه‏:‏ متروك، اهـ‏.‏ وسيأتي في ‏"‏فصل - قيام شهر رمضان‏"‏ أيضًا‏]‏ عن جابر أنه عليه السلام قام بهم في رمضان، فصلى ثمان ركعات، وأوتر، ثم انتظروه من القابلة، فلم يخرج إليهم، فسألوه، فقال‏:‏ خشيت أن يكتب عليكم الوتر، انتهى‏.‏ رواه في النوع التاسع والستين، من القسم الخامس‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه أبو داود ‏[‏في ‏"‏باب المحافظة على الصلوات‏"‏ ص 67، وفي ‏"‏باب من لم يوتر‏"‏ ص 208، والنسائي في ‏"‏باب المحافظة على الصلوات الخمس‏"‏ ص 80، وأحمد‏:‏ ص 319 - ج 5، وابن ماجه في ‏"‏باب فرض الصلوات الخمس، والمحافظة عليها‏"‏ ص 102‏.‏‏]‏‏.‏ والنسائي‏.‏ وابن ماجه عن عبد اللّه بن محيريز أن رجلًا من بني كنانة، يدعى ‏"‏المخدجي‏"‏ سمع رجلًا بالشام، يدعى ‏"‏أبا محمد‏"‏ سأله رجل ‏[‏قلت‏:‏ أصل عبارة أبي داود هكذا‏:‏ ‏"‏إن رجلًا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلًا بالشام، يدعى أبا محمد يقول‏:‏ إن الوتر واجب، فقال المخدجي‏:‏فرُحت إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة‏:‏ كذب أبو محمد، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، الحديث، قوله‏:‏ كذب، أي أخطأ، كذا في ‏"‏التلخيص‏"‏ قلت‏:‏ أبو محمد هذا أنصاري، اسمه مسعود، وله صحبة، وقيل‏:‏ اسمه سعد بن أوس من الأنصار من بني النجار، وكان بدريًا ‏"‏عون المعبود‏"‏ ص 534 - ج 1، ‏"‏وكتاب العلم - لابن عبد البر‏"‏ ص 155 - ج 2، وراجع ‏"‏التلخيص‏"‏ ص 172‏]‏ عن الوتر، أواجب هو‏؟‏ قال‏:‏ نعم، كوجوب الصلاة، ثم سأل عبادة بن الصامت، فقال‏:‏ كذب، سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏"‏خمس صلوات‏"‏ كتبهن اللّه على العباد، من جاء بهن يوم القيامة كما أمر اللّه، لم يستخف بشيء من حقوقهن، فإِن اللّه عز وجل جاعل له عهدًا أن يدخله الجنة، ومن لم يجئ بهن يوم القيامة استخفافًا بحقهن، فلا عهد له عند اللّه، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏، وذكر المخدجي في ‏"‏كتاب الثقات‏"‏، وقال‏:‏ هو أبو رفيع، وقيل‏:‏ رفيع، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه أحمد في ‏"‏مسنده ‏[‏ص 231 - ج 1، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 300 - ج 1، والدارقطني‏:‏ ص 171‏.‏‏]‏‏"‏‏.‏ والحاكم في ‏"‏مستدركه‏"‏، وسكت عنه عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حبة عن عكرمة عن ابن عباس، قال‏:‏ سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، يقول‏:‏ ‏"‏ثلاث هن عليَّ فرائض، وهن لكم تطوع‏:‏ الوتر‏.‏ والنحر‏.‏ وصلاة الضحى‏"‏، انتهى‏.‏ قال الذهبي في ‏"‏مختصره‏"‏‏:‏ سكت الحاكم عنه، وهو غريب منكر، وأبو جناب الكلبي ضعفه النسائي‏.‏ والدارقطني، انتهى‏.‏ وأخرجه أحمد‏.‏ والحاكم أيضًا عن جابر الجعفي عن عكرمة به، والجعفي مختلف فيه، وله طريق آخر عن ابن الجوزي في ‏"‏العلل المتناهية‏"‏ فيها وضاح بن يحيى‏.‏ ومندل، وهما ضعيفان، وأخرج ابن الجوزي نحوه من حديث أنس، وفيه عبد اللّه بن محيريز ‏[‏في ‏"‏النسخة الخطية‏"‏ محيريز، وظني أنه محرر ‏"‏بالمهملتين‏"‏ فليراجع‏]‏، وهو ساقط، وقال ابن حبان‏:‏ كان يكذب‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه الدارقطني ‏[‏ص 172، والطحاوي‏:‏ ص 172، والحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 304 - ج 1، قال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين، وابن نصر في ‏"‏قيام الليل‏"‏ ص 125، ولفظه‏:‏ لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب، والطحاوي أيضًا، والحاكم بهذا اللفظ، والبيهقي‏:‏ ص 31 - ج 3‏]‏ عن أبي هريرة أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏لا توتروا بثلاث ‏[‏قوله‏:‏ لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس، أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب، اهـ‏.‏

هذا الحديث قد اكتفى بظاهر لفظه ابن نصر المروزي في ‏"‏قيام الليل‏"‏ ص 127، حيث رد به على بعض أصحاب أبي حنيفة في قوله‏:‏ إن العلماء قد أجمعوا على أن الوتر بثلاث جائز حسن، اهـ‏.‏ وقال‏:‏ قوله هذا، من قلة معرفته بالأخبار، واختلاف العلماء، وقد روى في ‏"‏كراهية الوتر بثلاث‏"‏ أخبار‏:‏ بعضها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وبعضها عن أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ والتابعين، ثم روى هذا الخبر عن أبي هريرة، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس‏.‏ أو سبع‏.‏ أو تسع‏.‏ أو باحدى عشرة‏.‏ أو أكثر من ذلك، اهـ‏.‏ وفي معناه ما أخرج أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 335 - ج 5 عن ميمونة‏.‏ وعائشة مرفوعًا، قالتا‏:‏ لا يصح ‏"‏أي الوتر‏"‏ إلا بخمس‏.‏ أو سبع، اهـ‏.‏ لكن أشكل على أهل العلم تأويله، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد تواتر عنه إيتاره بالثلاث، وعن الصحابة‏.‏ والتابعين، وقد روى هو جملة صالحة منها في ‏"‏كتابه - في الوتر‏"‏ فما معنى النهي بعد ذلك‏؟‏

ولقد تصدى الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 400 - ج 2 لرفع هذا الإشكال، وقال‏:‏ الجمع بين هذا وبين ما تقدم من النهي عن التشبه بصلاة المغرب أن يحمل النهي على صلاة ثلاث بتشهدين، اهـ‏.‏ وظن أن النهي في الحديث هو النهي عن التشبيه، وقد سبقه سليمان بن يسار إلى هذا، روى عنه ابن النصر أنه كره الثلاث، وقال‏:‏ لا يشبه التطوع بالفريضة، اهـ، وهذا الحمل مردود بالعيان، وبمعنى الحديث، أما الأول‏:‏ فانا لا نرى الفرق بين الفريضة والتطوع إلا بإيجاب اللّه تعالى وعدمه، ولا نرى الفرق بين صوم التطوع وصوم رمضان إلا بذلك، وكذا فريضة الحج، وتطوعه سيان في الأعمال كلها، ولا فرق في الانفاق بين الزكاة وسائر الصدقات، بل لا فرق بين صلاة الفجر والركعتين قبلها، وبين صلاة الظهر، وأربع قبلها، في شيء من الأركان، ولو حلف رجل أن التطوع كالفريضة في الأمور كلها، إلا فيما يرخص في التطوع لكان بارًا، وعد الطحاوي في‏:‏ 173 من ‏"‏شرح الآثار‏"‏ من ذلك أشياء‏:‏ فقال‏:‏ إنا لم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض، اهـ‏.‏ فما بال الوتر نهى عنه لأجل الاشتباه بالفريضة‏؟‏ وأما المعنى‏.‏ فلأن لهذا الحديث لفظان‏:‏ الأول‏:‏ لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمس، الحديث، وكلمة تشبهوا في هذا، ليست بصفة، بل هي جواب النهي، ولا يصح معناه، على مراد ابن نصر على مذهب جمهور النحاة، لأن التقدير عندهم أن لا توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب، إلا على مذهب الكسائي، فإن المعنى عنده أن توتروا بثلاث، تشبهوا بالمغرب فمحط النهي، ليس التشبيه فقط، بل هذا العدد، والتشبيه لازم له، فمتى حصل الايتار، بالثلاث، بأي صورة كانت، حصلت المشابهة، وعين الشرع لرفع المشابهة طريقًا بقوله‏:‏ ولكن أوتروا بخمس‏.‏ أو سبع، الحديث، فكأن المؤول لهذا الحديث بالتأويل المذكور لم يرتض به‏.‏ واللفظ الآخر لهذا الحديث‏:‏ لا توتروا بثلاث، وأوتروا بخمس أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب، ففي هذا الحديث نهى عن الايتار بثلاث، وعن التشبيه بصلاة المغرب كليهما، فإن كان التشبيه هو الايتار بثلاث، عاد الإشكال بأسره، وإن أريد الصفة والهيئة، فبعد التفريق بين هيئة وهيئة‏.‏ بقي النهي عن الايتار بثلاث بحاله‏.‏ ففيما أوله الحافظ إعمال كلمة، وإهمال الأخرى‏.‏ ثم هذا التأويل، وإن لم يضر الحنفية، لأن حاصله‏:‏ أن المشابهة بين الصلاتين تنتفي بزيادة بعض الأعمال في إحداهما، والنقص في الأخرى، فكما أن أمرًا هو سنة في الفريضة عنده يرتفع بتركه في الوتر المشابهة بين المغرب، والوتر كذلك يرتفع المشابهة بزيادة القنوت، وهو واجب عندهم في الوتر‏.‏ دون صلاة المغرب، فلا خير فيه عندهم، بل يوافقهم في إبطال سعي ابن نصر فيما أراد منه، لكن يخالف به هذا الحديث، الحديث الصحيح الذي أخرجه النسائي‏:‏ ص 248‏.‏ وغيره عن عائشة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، وبوّب عليه النسائي بقوله‏:‏ ‏"‏كيف الوتر بثلاث‏"‏ وقد عد ابن حزم في ‏"‏المحلى‏"‏ جميع أنواع الوتر التي ثبتت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال في‏:‏ ص 47 - ج 3‏:‏ والثاني عشر‏:‏ أن يصلي ثلاث ركعات يجلس في الثانية، ثم يقوم دون التسليم، ويأتي بالثالثة، ثم يجلس، ويتشهد كصلاة المغرب، وهو اختيار أبي حنيفة، لما حدثنا عبد اللّه ابن ربيع حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أنا إسماعيل بن مسعود حدثنا بشر بن المفضل حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد بن هشام أن عائشة أم المؤمنين حدثته أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الفجر، اهـ‏.‏ وقال‏:‏ صحيح‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 2‏)‏‏:‏ - الحديث الموفى للمائة‏:‏ حديث‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

فإن قيل‏:‏ إن الحديث، وإن كان ظاهرًا في أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يتشهد في ركعتي الوتر، ولا يسلم، وإلا فلا معنى لنفي التسليم فقط، لكن ليس بنص فيه، فلقائل أن يقول‏:‏ كما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر، كان لا يتشهد أيضًا، فما الجواب‏؟‏ قلنا‏:‏ هذا السؤال ناشيء من قلة معرفة السائل عن اصطلاح أهل الحديث فيما يريدون من الوتر، وسأبينه إن شاء اللّه تعالى، وعن قلة معرفته بتصرف الرواة، وإلا فالجلوس في الثانية صرح به أيضًا، روى مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏ ص 656 هذا الحديث عن سعيد بن أبي عروبة، بهذا الاسناد الذي روى به النسائي، وفيه، في حديث طويل قوله‏:‏ ولا يجلس فيها، إلا في الثامنة، فيذكر اللّه ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض، ولا يسلم، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر اللّه ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا، اهـ‏.‏ وهذه الركعة الثامنة من صلاة الليل في هذا الحديث، عند مسلم، هي الركعة الثانية من الوتر، عند النسائي، ذكرهما بعض أصحاب سعيد، مع ست من صلاة الليل، كما عند مسلم، وميزه الآخرون، وهو عند النسائي‏.‏ وغيره، والحديث واحد، فإذا تحقق أن حديث أبي هريرة‏:‏ لا توتروا بثلاث صحيح، وأن تأويل الحافظ لم يصنع شيئًا - في جمعه مع الأحاديث الأخر الصحيحة الصريحة - في خلاف، فالتأويل الصحيح هو الذي أشار إليه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 172، بقوله‏:‏ كره إفراد الوتر حتى يكون معه شفع، اهـ‏.‏ وقال بعد ما روى حديث عائشة‏:‏ قالت‏:‏ كان الوتر سبعًا أو خمسًا، والثلاث بتيراء، اهـ‏.‏ فكرهت أن يجعل الوتر ثلاثًا، لم يتقدمهن شيء، حتى يكون قبلهن غيرهن، انتهى قول الطحاوي‏.‏ أي ندب إلى الصلاة قبل الوتر، وأقلها شفع واحد، فتكون خمسة، أو أربع، فتكون سبعًا، أو ست، فتكون تسعًا، هكذا، كما ندب إلى الصلاة قبل الفرائض بعمله إلا المغرب، فإنه لم يندب إلى الصلاة قبله، فالمراد من الوتر ههنا الأعم من الوتر المصطلح، ومن صلاة الليل، وأدنى صلاة الليل الوتر المصطلح‏.‏

بقي ههنا أمران‏:‏ الأول‏:‏ أن المراد بالوتر في هذا الحديث صلاة الليل كله، مع الوتر المصطلح، فهو بما قال الترمذي في ‏"‏باب الوتر بسبع‏"‏ ص 60‏:‏ قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ معنى ما روى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة‏.‏ وإحدى عشرة، قال‏:‏ إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر، وروى في ذلك حديثًا عن عائشة، واحتج بما روى أن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏أوتروا يا أهل القرآن‏"‏، قال‏:‏ إنما عني به قيام الليل، اهـ‏.‏ والثاني‏:‏ أن المراد بالسبع‏.‏ والتسع‏.‏ وإحدى عشرة ركعة، ثلاث ركعات‏:‏ الوتر مع أربع‏:‏ أو ست‏.‏ أو ثمان قبله، فهو بما أخرج أبو داود في ‏"‏باب صلاة الليل‏"‏ ص 200 عن عبد اللّه بن قيس، قال‏:‏ قلت لعائشة‏:‏ بكم كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوتر‏؟‏ قالت‏:‏ بأربع‏.‏ وثلاث‏.‏ وست‏.‏ وثلاث‏.‏ وثمان‏.‏ وثلاث‏.‏ وعشر‏.‏ وثلاث، ولم يكن بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة، اهـ وهذا الحديث أخرجه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 168 - ج 1، وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص‏.‏‏.‏‏.‏، قال الحافظ في ‏"‏الفتح ص 17 - ج 3‏:‏ هذا أصح ما وقفت عليه من ذلك، وبه يجمع بين ما اختلف عن عائشة من ذلك، واللّه أعلم، ولقد روى ابن نصر بعد حديث عائشة آثارًا قضى بها على نفسه، لكنه ظن أن بها يحكم رده على بعض أصحاب النعمان، وأمرها أمر حديث عائشة، كما ذكرنا، وفيها تأييد لكون الوتر ثلاثًا، وندب إلى الصلاة قبله، كما في الفرائض كذلك، سوى المغرب، قال‏:‏ وعن ابن عباس‏:‏ الوتر سبع، أو خمس، ولا نحب ثلاثًا بتيراء، وفي رواية‏:‏ إني لأكره أن يكون ثلاثًا بتيراء، ولكن سبع‏.‏ أو خمس، وعن عائشة‏:‏ الوتر سبع‏.‏ أو خمس، وإني لأكره أن يكون ثلاثًا بتيراء، وفي لفظ‏:‏ أدنى الوتر خمس، اهـ‏.‏ هذه الروايات كلها تدل على أن الوتر ثلاث، وأنه كان من التأكيد بمكان ما يظن به أن يترك، ولكن كرهوا الاكتفاء به، كمن يقول‏:‏ إني أكره صلاة الفجر ركعتين، أي بدون سنتي الفجر، والعجب أن ابن نصر بصدد إثبات الوتر، بأقل من ثلاث، وهذه الآثار كلها في كراهية الاكتفاء بالثلاث، فما ظنك بالاكتفاء بركعة‏؟‏‏!‏، وقد قال ابن الصلاح، فيما نقل عنه الحافظ في ‏"‏تلخيص الحبير‏"‏ ص 116‏:‏ لا نعلم في روايات الوتر مع كثرتها أنه عليه السلام أوتر بركعة، فحسب، واللّه أعلم، وعلمه أحكم‏.‏‏]‏، وأوتروا بخمس، أو سبع، ولا تشبهوا بصلاة المغرب‏"‏، انتهى‏.‏ قال الدارقطني‏:‏ إسناده ثقات، انتهى‏.‏

- الحديث الحادي بعد المائة‏:‏ روت عائشة رضي اللّه عنها

- أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يوتر بثلاث ‏"‏يعني لا يفصل بينهن بسلام‏"‏، قلت‏:‏ أخرجه النسائي في ‏"‏سننه ‏[‏في ‏"‏باب كيف الوتر بثلاث‏"‏ ص 248 من طريق بشير بن المفضل عن سعيد بن عروبة، وتابع بشيرًا عيسى بن يونس، عند الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏ ص 304، ويزيد بن زريع‏.‏ وأبو بدر، شجاع بن الوليد، عند الدارقطني‏:‏ ص 175، وكلهم رووا عنه، قبل الاختلاط، كما في ‏"‏فتح المغيث‏"‏، وأبو بدر فقط، عند الطحاوي‏:‏ ص 165 - ج 1، وعبد الوهاب بن عطاء، عند البيهقي‏:‏ ص 31 - ج 3، وقال النووي في ‏"‏شرح المهذب‏"‏ ص 7 - ج 4‏:‏ رواه النسائي باسناد حسن، والبيهقي في ‏"‏السنن الكبير‏"‏ باسناد صحيح، اهـ‏.‏‏]‏‏"‏ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة، قالت‏:‏ كان النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لا يسلم في ركعتي الوتر، انتهى‏.‏ ورواه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏، وقال‏:‏ إنه صحيح على شرط البخاري‏.‏ ومسلم، ولم يخرجاه، ولفظه‏:‏ قالت‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن ‏[‏قوله‏:‏ لا يسلم إلا في آخرهن، أقول لحديث عائشة طريقان‏:‏ طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، روى عنه يزيد بن زريع، وهو من أثبت الناس في سعيد، قاله النسائي في ‏"‏كتاب الضعفاء‏"‏ ص 31، وبشير بن المفضل يروى عنه عن سعيد، البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏، وعيسى بن يونس يروى عنه عن سعيد، مسلم في ‏"‏صحيحه‏"‏، فهؤلاء قدماء أصحاب سعيد، وسعيد وإن كان مدلسًا، ولكن صرح بالتحديث، عند الدارقطني في رواية يزيد، عنه، ولفظه‏:‏ كان لا يسلم في ركعتي الفجر، اهـ‏.‏ والطريق الثاني‏:‏ طريق أبان، عند البيهقي‏:‏ ص 38 - ج 3، ولفظه‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يقعد إلا في آخرهن، وهذه الرواية في ‏"‏المستدرك‏"‏ أيضًا، واختلفت كلمة ناظري ‏"‏المستدرك‏"‏ في لفظها، نقل عنه الحافظ في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 400 - ج 2، و‏"‏التلخيص‏"‏ ص 116 بلفظ البيهقي، وأما الشيخ المخرج‏.‏ والعيني في ‏"‏البناية‏"‏ ص 823 - ج 1‏.‏ وابن الهمام في ‏"‏الفتح‏"‏ ص 303، ومرتضى الزبيدي في ‏"‏عقود الجواهر المنيفة‏"‏ ص 61، فذكروا بلفظ‏:‏ لا يسلم إلا في آخرهن، وهذا اللفظ هو المذكور في ‏"‏المستدرك المطبوع‏"‏، وبهذا اللفظ ذكر الحافظ في ‏"‏الدراية ص 114، فكأن نسخ ‏"‏المستدرك‏"‏ فيه مختلفة، وأيًا ما كان طريق سعيد، هو المحفوظ، لأنه ثقة حافظ‏"‏ أثبت الناس في قتادة، وأما رواية أبان على لفظ الشيخ، فهو موافق له، وأما بلفظ البيهقي في ‏"‏سننه‏"‏ فقد قال في ‏"‏سننه‏"‏ ص 31 - ج 3، ورواية أبان خطأ، واللّه أعلم، اهـ‏.‏‏]‏ انتهى‏.‏ وفي لفظ‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر، انتهى‏.‏ ثم أخرج عن حبيب المعلم، قال‏:‏ قيل للحسن‏:‏ إن ابن عمر كان يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر، فقال‏:‏ كان عمر أفقه منه، فكان ينهض في الثانية بالتكبير، انتهى‏.‏ وسكت عنه‏.‏